في مارس 2023، اجتمع نواب رؤساء الشركات الكبيرة مثل “ميتا” و”يوتيوب” و”تويتر” و”مايكروسوفت” عبر تطبيق زووم لمناقشة احتمال انضمام “تيك توك”—أحد أبرز منافسيهم—إلى ناديهم الحصري. كانت القضية المحورية تتمثل في كيفية تعاون هذه الشركات لمواجهة التهديدات الإرهابية، وذلك من خلال المنتدى العالمي للإنترنت لمكافحة الإرهاب. رغم أن “تيك توك” قد اجتاز الدورة التدريبية المطلوبة وأجاب عن التساؤلات بشأن علاقاته بالصين، إلا أن المخاوف استمرت بشأن إمكانية استغلاله لهذه العضوية في مصلحة الحكومة الصينية، وما قد ينجم عن ذلك من تأثيرات على حرية التعبير. وقد كشفت تحقيقات مجلة “وايرد” عن تفاصيل هذه الاجتماعات وقراراتها السريّة، مما يسلط الضوء على دور الشركات الكبرى في توجيه السياسات التي تهدف لمكافحة التطرف عبر الإنترنت وتحديات الشفافية والمساءلة التي تواجهها. سيتناول هذا المقال كيف أثرت هذه الديناميكيات على محاولات مكافحة التطرف وما تعنيه بالنسبة لمستقبل المنصات الرقمية.
اجتماع كبار المسؤولين التنفيذيين لشركات التكنولوجيا الكبرى
في مارس 2023، اجتمع نواب الرؤساء من شركات ميتا ويوتيوب وتويتر ومايكروسوفت عبر زووم لمناقشة مسألة انضمام تطبيق تيك توك إلى منتدى الإنترنت العالمي لمكافحة الإرهاب (GIFCT). تمثل هذه القمة أهمية كبيرة حيث يأتي ذلك في وقت كانت فيه تيك توك مستهدفة بالنقد من قبل المشرعين الأمريكيين الذين كانوا ينظرون في فرض حظر على التطبيق بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي. الأعضاء الأربعة في المنتدى اتفقوا على أن تيك توك يحتاج إلى مساعدة في الحفاظ على محتواه خالياً من الدعاية المتطرفة. ومع ذلك، أبدت اللجنة تساؤلات حول كيفية استغلال تيك توك لعضويته إذا تم قبولها، خاصة فيما يتعلق بصلاته مع الحكومة الصينية. كانت هناك مشاعر متخوفة من أن أعضاء المجلس يحملون بيانات حساسة يمكن أن تستغلها الحكومة الصينية.
خلال الاجتماع، تم الإشارة إلى أنه على الرغم من أن تيك توك قد اجتاز البرنامج التدريبي المطلوب وأجاب على التساؤلات المتعلقة بعلاقاته مع الصين، إلا أن القلق استمر بشأن كيفية إدارة التطبيق لمحتواه. مما جعلهم يترددون في السماح لتيك توك بالانضمام، خاصة في ظل الشائعات والعقوبات المحتملة التي كانت تدور في الأفق. تجدر الإشارة إلى أن القرار النهائي كان بعدم قبول تيك توك، وهو ما أظهر الفجوة الهائلة بين شركة ناشئة في التقنية ورغبة الشركات السابقة العريقة في التأكد من أن جميع أعضائها تتبع سياسات أمان صارمة.
خصوصيات مشكلات الاعتدال والمحتوى المتطرف
في سياق الاعتدال والمحتوى المتطرف، كانت هناك انتقادات متزايدة لتيك توك بعد حادثة انفجار إرهابي في كرايستشيرش، نيوزيلندا، حيث تم نشر مقاطع الفيديو التي تحتفل بهذا الحدث على المنصة. كانت هذه الفيديوهات تمثل محتوى متطرف يفي بالمعايير التي وضعتها GIFCT لإزالة المحتوى المضر. وقد لاقى فشل تيك توك في احتواء هذا النوع من المحتوى اهتماماً كبيراً من وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية التي تساءلت كيف يمكن أن تمنع شركات التكنولوجيا الكبرى المنصة من الحصول على تقنيات رصد التهديدات. تجدر الإشارة إلى أن ممارسات الامتناع عن التصويت من قبل بعض الأعضاء في المجلس، ونوعية المحتوى المتاح على المنصة، أثرت بشكل مباشر على هذه القضية.
علاوة على ذلك، كانت هناك أمثلة على شركات أخرى تقدمت بنجاح للحصول على عضوية في المنتدى بفضل سياسات محتوى أكثر وضوحًا وأمنًا، مثل تطبيق Yubo الفرنسي الذي حقق نجاحًا ملحوظًا في تحديد حسابات مريبة ونقلها للسلطات. هذا يعكس مدى التواصل والحوار بين المنصات المختلفة وكيف يمكن أن يتأثر ذلك بمدى استعدادهم للتعاون معًا في محاربة التطرف ومواقعه
حلقات التعاون والتحديات المالية
تمثل GIFCT نموذجاً فريداً للتعاون بين الشركات الكبرى لمواجهة القضايا المشتركة المتعلقة بالتطرف العنيف عبر الإنترنت، لكن هذا التعاون جابهه العديد من التحديات. فور انطلاقة المبادرة، كانت هناك مخاوف متزايدة حول كيفية إدارة الأموال ومن أين تأتي، حيث اعتمدت العديد من الشركات على التبرعات الطوعية. في الفترة بين عامي 2020 و2022، تبرع العديد من عملاق التكنولوجيا بمبالغ كبيرة، إلا أن تويتر كان له نصيب أقل بكثير. هذا التفاوت في الدعم المالي أدى إلى توتر في العلاقات ما بين أعضاء المجلس، مع وجود استياء واسع النطاق من الأعضاء الذين اعتقدوا أن بعض الشركات كانت تستفيد دون المساهمة بشكل مناسب.
وفي محاولة لمواجهة هذا الأمر، أدخل الأعضاء تغييرات على اللوائح الداخلية للمنتدى لتطلب من الأعضاء مساهمات سنوية على الأقل اعتبارًا من عام 2025. على الرغم من أن هذه الخطوة قد تعزز من استدامة المنظمة، إلا أن هناك قلقًا من أن بعض الشركات، مثل تويتر، قد تختار عدم الدفع وستفقد بالتالي مقعدها. يظل التساؤل قائمًا حول كيفية تأثير الاعتماد على التمويل الخاص على قدرة المنتدى على مواجهة التهديدات المتزايدة وفعاليته في تحقيق أهدافه.
عملية الاستجابة للأزمات وأعمالها
تعد عملية الاستجابة للأزمات جزءًا حيويًا من أعمال GIFCT، حيث تلعب دورًا رئيسيًا في مكافحة المحتوى الضار. تستخدم المنظمة تقنيات متطورة لتحديد المحتوى الذي يحتاج إلى إزالة، حيث يتم استخدام برمجيات لتحويل محتوى العنف إلى رموز قصيرة. هذا يساعد الأعضاء على تبادل المعلومات دون الخوض في تفاصيل المواد الإعلامية الكبيرة، مما يسهل التعرف على المحتوى الضار والمساعدة في إزالته بشكل أسرع.
في أعقاب حوادث إطلاق النار الكبيرة، مثل حادثة إطلاق النار في سوبر ماركت في بوفالو، نيويورك، أظهرت GIFCT قدرتها على سرعة الاستجابة، حيث تم تبادل رموز المحتوى الضار مع الأعضاء وطلب التنبيه الضروري على المحتوى الذي يحتاج إلى إزالة. أدى ذلك إلى تحميل ما يقرب من 870 فيديو وصورة متعلقة بالحادث، مما يعكس قدرة المنظمة على السيطرة على الموقف وتقديم الحلول بشكل أسرع.
ومع ذلك، يبقى هناك تساؤلات حول مدى فعالية هذه الحلول في الممارسة، حيث لم يتم تقديم أي معلومات واضحة عن عدد المحتويات التي تمت إزالتها نتيجة لذلك، مما يدل على نقص في الشفافية قد يؤثر على مدى الثقة في هذه المنصة. تظهر هذه القضايا الحاجة المستمرة للمزيد من السياسات الصارمة والتقييمات لتحسين عملية الاعتدال ومنع الأخطاء التي قد تحدث في إزالة المحتوى غير العنيف.
مراجعة دور وتحسين قاعدة بيانات GIFCT
تعتبر قاعدة بيانات GIFCT (مجموعة تبادل المعلومات الخاصة بمكافحة الإرهاب) من أبرز الأدوات التي تم تطويرها لمواجهة انتشار المحتوى المتطرف على الإنترنت. ومع ذلك، تثير الأسئلة حول كيفية إدارتها وفعالية استخدامها جدلاً واسعاً. تفتقر المعلومات حول الشركات التي تشارك في استخدام هذه القاعدة، مما يعكس عدم الشفافية في العمليات الداخلية. هناك قلق دائم بشأن كيفية مراجعة المحتوى، حيث لا يعرف كم من الأعضاء يعتمد على المشاهدة اليدوية للمحتوى بدلاً من الأتمتة.
يصف بعض الباحثين ومديري التكنولوجيا في GIFCT حالات تتعلق بتكرار الأخطاء في إدارة البيانات، حيث تم رصد مقاطع فيديو موسيقية تتطابق مع محتويات تحويها قاعدة البيانات، مما أدى إلى تساؤلات حول قانونية وشرعية عمليات المراجعة. هذا النوع من الحوادث يؤكد الحاجة إلى مراجعة شاملة واستقلالية للتأكد من أن المحتوى الذي يتم تحميله إلى قاعدة البيانات متوافق مع أهداف محاربة التطرف.
تعاني القاعدة من عدم وجود تدقيق خارجي، حيث لم يتم القيام بأي مراجعة داخلية شاملة رغم وجود أخطاء مثبتة. تم الإبلاغ في العام 2022 عن حذف أكثر من 200,000 هاشتاج بسبب عدم صلاحيتها، مما أدى إلى تقليص قاعدة البيانات إلى 2.1 مليون من 2.3 مليون هاشتاج. هذا الانخفاض يعكس تحديد الأخطاء، ولكن في الوقت نفسه، يشير إلى الفشل في تقديم بيانات دقيقة وسليمة منذ البداية.
الدعوات للمزيد من الشفافية والمساءلة
مع تزايد الضغوط من الجهات المعنية، تشملها السلطات الحكومية والمجتمع المدني، تزداد الدعوات إلى تعزيز الشفافية والمساءلة. يتساءل الكثيرون عن الأنظمة والموارد التي تعتمد عليها الشركات الكبرى مثل ميتا ويوتيوب ومايكروسوفت في جهودها لمكافحة الإرهاب. تعكس تقارير صدرت عن المفوضية الأسترالية للأمن الإلكتروني هذا القلق، حيث تطلب المزيد من المعلومات حول ممارسات مكافحة الإرهاب.
يعتبر النقاد أن التخلي عن الشفافية في إدارة المحتوى قد يسفر عن استخدامات مسيئة للبيانات، مما يتطلب تغييرات جذرية في طريقة إدارة هذه المبادرات. يوصي الخبراء بإجراء تقييمات تأثير حقوق الإنسان والتزام الشركات بمبادئ تتعلق بحقوق الأفراد أثناء تعاملهم مع المحتوى.
بعض الخبراء يجادلون بأن التحول نحو نموذج إدارة معتمد على الرقابة الذاتية بين الشركات لم يكن كافياً في تحقيق التوازن بين مكافحة التطرف وحماية حرية التعبير. يثير هذا النقاش الحاجة إلى وجود نمط حوكمة أكثر انسجامًا وشمولية، ضمن التركيز على ضمان حقوق الإنسان وتحقيق العدالة.
التحديات العالمية في مكافحة التطرف
يتناول جزء كبير من النقاش التحديات المرتبطة بمفهوم “العالمية” في جهود مكافحة التطرف. رغم أن خدمات GIFCT تمتد إلى حوالي 60 دولة، إلا أن هناك غيابًا ملحوظًا في تمثيل الشركات من مناطق خارج الولايات المتحدة. يدعو بعض الأعضاء إلى ضرورة تقدير قضايا التطرف في مناطق مثل إفريقيا وآسيا، حيث تعتبر تلك المناطق بؤرًا ناشئة للعديد من التهديدات.
تركز الانتقادات أيضًا على الحاجة إلى التعامل بشكل متوازن مع مختلف أنواع التطرف، وليس فقط التطرف الإسلامي. الخيارات المناسبة لتقليل تأثير الجماعات اليمينية المتطرفة تتطلب استراتيجيات وأدوات أكثر فعالية وتطبيقًا. يعكس هذا الحراك التأكيد على ضرورة تقدير السياقات الثقافية والاجتماعية للأماكن المستهدفة.
إدخال عناصر جديدة إلى مجلس إدارة GIFCT يعد خطوة هامة نحو تحسين النموذج الحالي، بالإضافة إلى الدعوة إلى تمثيل أكبر للمجتمع المدني والأكاديميين في عمليات اتخاذ القرار. يتوقع المشاركون أن تضم المشاورات والتحليلات المزيد من التنوع في الآراء لتعزيز الشمولية خاصة في قضايا حساسة مثل حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
العلاقة بين الشركات ومكافحة الإرهاب
تسهم العلاقة بين الشركات التقنية الكبرى وجهود مكافحة الإرهاب في تشكيل كيفية إدارة المحتوى الإلكتروني. هناك قلق مستمر بشأن كيفية استجابة هذه الشركات لمعارضات المحتوى الذي يعتبر تطرفًا، ما يدفع البعض للاحتجاج ضد السياسات التي تعتبر متحيزة. نقص الشفافية في إجراءات اتخاذ القرار يثير تساؤلات حول موثوقية هذه الشركات في احترام حقوق المستخدمين.
تتعدد وجهات النظر حول فعالية الأنشطة الحالية لـ GIFCT، حيث يشير البعض إلى أنه يجب على الشركات الكبرى أن تتخذ موقفًا مخالفًا لتوجيهات معينة في سبيل تعزيز حقوق الإنسان. العلاقات المعقدة والمشكلات المتداخلة تتطلب وجود استراتيجيات فعالة ومبتكرة لمواجهة القضايا العالقة في سياق البيانات وتقنيات المعلومات.
كما يتطلب الأمر وجود تبادل فعّال للمعلومات بين الشركات والحكومة والجهات المنفذة للقانون، وهو ما يثري النقاش حول كيفية تعزيز الأطر القانونية التي تحمي الحريات أثناء مواجهة التحديات التي تطرحها الجماعات المتطرفة. تلعب شركات مثل ميتا ويوتيوب ومايكروسوفت دورًا رئيسيًا في ذلك، ولكن يتطلب الالتزام بتعزيز حقوق الإنسان في الوقت ذاته دعمًا مجتمعيًا شاملًا.
رابط المصدر: https://www.wired.com/story/gifct-x-meta-youtube-microsoft-anti-terrorism-big-tech-turmoil/
تم استخدام الذكاء الاصطناعي ezycontent
اترك تعليقاً