في 26 سبتمبر 2018، وقف الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو أمام منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث كان وضعه السياسي في بلاده يتدهور بشكل متسارع. إذ شهدت فنزويلا احتجاجات جماهيرية ضد حكومته، بالإضافة إلى أزمة اقتصادية خانقة بفعل التضخم المفرط، مما أدى إلى نزوح أكثر من مليون فنزويلي، مما زاد من الضغوط على نظامه. وكان اتهام مادورو للولايات المتحدة بإطلاق عدوان دائم ضد بلاده يتزامن مع تعهد الإدارة الأمريكية السابقة بإضعاف سلطته. ومع تصاعد الأزمة، اتخذت الأمور منعطفًا آخر بعد أن تم الكشف عن جهود سرية تقوم بها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) للإطاحة بمادورو، مما يسلط الضوء على التوترات بين السياسة الخارجية الأمريكية والأدوات السرية لتنفيذها. في هذا المقال، نكشف تفاصيل تلك العمليات السرية التي حركها انقسام داخلي حول كيفية توجيه الجهود الأمريكية في فنزويلا، وكيف ساهمت شخصيات بارزة في إدارة ترامب في رسم مسار هذه الحملة، وما يمكن أن يعنيه ذلك لمستقبل البلاد والسياسات الأمريكية في أمريكا اللاتينية.
الوضع السياسي في فنزويلا قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة
في 26 سبتمبر 2018، وقف الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو أمام المنصة في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. كان مادورو قد واجه تحديات فريدة خلال فترة حكمه، إذ تدهورت أحوال البلاد السياسية والاقتصادية بشكل كبير. عانى الفنزويليون من نسبة تضخم فائقة رغم أن البلد يمتلك احتياطيات ضخمة من الذهب والنفط. الأمر الذي تسبب في احتجاجات واسعة ضد الحكومة، وأدى إلى فرار أكثر من مليون منهم إلى دول أخرى في المنطقة، مما خلق أزمة لاجئين.
فاز مادورو في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي اعتبرت محط تساؤلات بخصوص نزاهتها، وكان يعاني من ضغوط داخلية متزايدة. من جانب آخر، سعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل نشط لإزاحة مادورو من الحكم، حيث كانت تعتبره تهديدًا للسياسات الأمريكية في المنطقة. وبالتوازي مع ذلك، كانت هناك محاولات من قبل حكومات أخرى في أمريكا اللاتينية للضغط على مادورو من خلال فرض عقوبات وفرض ضغوط سياسية.
عند وصوله إلى الجمعية العامة، شعر مادورو بحاجة ملحة للدفاع عن نفسه وعن حكومته وانتقاد الولايات المتحدة التي اعتبرها مسؤولة عن المشاكل التي تواجه فنزويلا. كما أشار إلى الاغتيال الفاشل الذي تعرض له مستشهداً بمؤامرة مفترضة من الولايات المتحدة. كان كل ذلك يعكس حالة من التوتر والاحتقان السياسي التي أدت إلى تفاقم الأوضاع في البلاد.
التصعيد الدبلوماسي والعقوبات الأمريكية
بعد حديث مادورو في الجمعية العامة، قررت إدارة ترامب تصعيد جهودها لعزل مادورو ووضع المزيد من العقوبات عليه وعلى الدائرة الضيقة التي تدعمه. كانت العقوبات الاقتصادية جزءاً من استراتيجية ترمي إلى تقويض قدرة مادورو على البقاء في الحكم، وتضييق الخناق على موارده المالية. لم تتوقف الإجراءات عند حدود العقوبات، بل انتقلت إلى مخططات سرية أكثر تعقيدًا تنفذها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) بهدف الإطاحة بمادورو.
واجهت وكالة المخابرات المركزية تحديات كبيرة في توجيه مثل هذه العمليات، حيث يجب أن تتوافق مع القضايا السياسية الأوسع التي تتناولها السياسة الخارجية الأمريكية. أُعيدت هيكلة الوكالة لتكون جزءًا من جهود أكبر للإطاحة بالحكومة الفنزويلية، الأمر الذي عكس السياسة العدائية لإدارة ترامب تجاه الأنظمة اليسارية في أمريكا اللاتينية. كان هناك شعور عام بأن التحرك ضد مادورو كان أمراً ضرورياً لاستعادة الاستقرار في تلك البلاد وإعادة الديمقراطية، ولكن الأمور كانت أشبه بلعبة شطرنج معقدة أكثر منها خطة مباشرة لسحب السلطة.
تعرف الإدارة الأمريكية بشكل متزايد على أن وضع مادورو قد زاد من خطر الأزمات الإنسانية ولذا كانت تحاول دفع دول أخرى للانضمام إلى التحالف ضد النظام الفنزويلي. تأكيد ترامب على العقوبات واعترافه بالمعارضة الفنزويلية المنقسمة ضلل المشهد السياسي ورفع من أمل العديد من الفنزويليين بأن هناك مخرجًا قريبًا من الأزمات الحالية.
الحملة السرية للإطاحة بمادورو وتحدياتها
أنشأت وكالة المخابرات المركزية فريق عمل خاص بفنزويلا في بداية عام 2019، حيث كانت الخطة تهدف إلى استغلال نقاط الضعف في النظام الفنزويلي لتعزيز موقف المعارضة. بدأ التركيز على شن هجمات سيبرانية تستهدف البنية التحتية الحيوية مثل نظام الرواتب العسكري، مما يعتبر ضربة مباشرة لدعم مادورو من قبل الجيش.
مع ذلك، واجهت الحملة السرية تحديات هائلة. كانت الوكالة بحاجة لبناء موارد جديدة، وكان هناك عدم استعداد من بعض الجهات داخل الحكومة للموارد العسكرية مثل وحدات الاختراق في وكالة الأمن القومي. هذا الفشل في توجيه الموارد اللازمة للمهمة المقصودة أدى إلى تباطؤ عملية التخطيط والتنفيذ، مما أثر على فاعلية الحملة ككل.
تمكنت وكالة المخابرات المركزية في النهاية من تنفيذ هجوم سيبراني لتعطيل النظام الإداري للرواتب، مما أدى إلى حرمان الجنود الفنزويليين من الرواتب لفترة محددة. كان الهدف من هذا الهجوم هو زيادة الاستياء وعدم الرضا بين صفوف القوات المسلحة، وبالتبعية تقويض دعمها لمادورو. وعلى الرغم من بعض النجاح في ذلك، إلا أن الأمور لم تكن كما كان مأمولاً، حيث لم يكن هناك تغيير كبير على الأرض نتيجة لهذه العمليات السرية.
التوترات بين الإدارة الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية
خلال فترة الحملات السرية ضد مادورو، برزت توترات واضحة بين إدارة ترامب ووكالة المخابرات المركزية. لم يتوافق الهيكل الإداري لوكالة المخابرات غالباً مع الأساليب العدائية التي تمليها الإدارة، مما أدى إلى صدامات داخل الحكومة. كان هناك قلق داخلي من أن تحركات إدارة ترامب قد تؤدي إلى تداعيات غير محمودة على المستوى الإقليمي والعالمي.
تلك التوجهات المتباينة وضعف انسجام السياسة بين وزارة الخارجية ووكالة المخابرات جعلت عملية الإطاحة بمادورو تبدو معقدة. بينما كان ترامب يروّج لأفكار الهجوم الفوري، كانت الوكالة تتخذ نهجاً أكثر تحفظاً، مما أفقد الجهود بعض الزخم وأدى لعدم اليقين في كيفية المضي قدماً.
تجسد هذه الديناميكيات التحديات التي تواجهها الحكومات عند محاولة الانخراط في عمليات منهاجة سرية، خاصة عندما تتصادم مع أحد الجوانب السياسية المرتبطة بالصراعات المدنية. إن هذه التجربة تحمل في طياتها دروسًا متعددة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار من قبل أي إدارة مستقبلاً تحاول تنفيذ سياسات جذرية في الخارج.
التدخل الأمريكي في فنزويلا: أهداف وممارسات
تعكس استراتيجية الولايات المتحدة تجاه فنزويلا رغبة متزايدة في التأثير على المشهد السياسي في البلاد، خاصة في ظل تصاعد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. بدأت تلك الاستراتيجية بالعديد من الخطط التي كانت تهدف في الأساس إلى الإطاحة بالرئيس نيكولاس مادورو، الذي يعد رمزًا للحكم الاشتراكي في فنزويلا. انطلقت الإدارة الأمريكية، تحت قيادة دونالد ترامب، في البحث عن وسائل أكثر فعالية للتأثير على مادورو من خلال مجموعة من الخيارات التي تتراوح بين العقوبات الاقتصادية إلى دعم المعارضة المسلحة.
من بين التكتيكات التي تم النظر فيها، كانت فكرة استهداف شحنات النفط التي تصل إلى كوبا، حيث اعتقد بعض المسؤولين الأمريكيين أن قطع هذه الشحنات سيكون بمثابة ضربة قوية لكلا النظامين الفنزويلي والكوبى. خلال تلك الفترة، تم عقد اجتماعات مع خبراء عسكريين لوضع خطط لإجراء عمليات تخريبية يمكن أن تؤدي إلى تعطيل هذه الشحنات. كان من بين الخيارات المطروحة استخدام أنظمة سرية لجهاز الاستخبارات الأمريكية (CIA) لضرب ناقلات الوقود الفنزويلية، إلا أن الإدارة تراجعت عن هذا الخيار بسبب عدم توفر الإمكانيات الملائمة.
نشبت توترات داخل إدارة ترامب بشأن كيفية التعامل مع الأزمة، حيث كانت هناك انقسامات بين الفريق المتشدد، بقيادة جون بولتون، وبين بعض المسؤولين في وزارة الدفاع والاستخبارات. فبينما كان البعض يدعو للتدخل بشكل أكثر شدة، كان آخرون يتحفظون على وجود أي قوات أمريكية على الأرض. كانت هذه الانقسامات تعكس الصعوبات التي واجهتها الإدارة الأمريكية في استراتيجيتها تجاه فنزويلا.
كما يعد تعاون كولومبيا مع المسؤولين الأمريكيين نقطة مهمة في هذا الصراع، حيث انخرطت كولومبيا في عمليات تخريبية ضد القوات الجوية الفنزويلية بمساعدة استخبارات أمريكية. رغم أن العملية لم تكن ناجحة بشكل كامل، فقد أظهرت الوجهة المشتركة للإطاحة بنظام مادورو، وهو ما يزيد من التعقيد في العلاقات بين الدول التي لها تأثير على المشهد الفنزويلي.
الخطط والنزاعات الداخلية: فشل المحاولة
تجعل الأزمات الداخلية في فنزويلا من الصعب على المعارضين توحيد صفوفهم، مما أدى إلى تأثير سلبي على جهود الإطاحة بمادورو. كان هناك إيمان بأن المعارضة تحت قيادة خوان غوايدو ستتمكن من تحقيق تقدم كبير في الإطاحة بالرئيس، ولكن الأحداث أثبتت عكس ذلك. بعد عدة محاولات خجولة، أعلنت المعارضة عن “عملية الحرية” في أبريل 2019، ولكن هذه العملية كانت محاطة بعدد من الأخطاء الاستراتيجية وسوء التخطيط الذي أدى إلى نتائج عكسية.
زاد عدم الوثوق بين المسؤولين الفنزويليين والمدعومين من الخارج، مما أدى إلى تراجع المقاومة ضد الحكومة. العملية شابتها حالات من عدم التنسيق وعدم القدرة على تجميع القوى، الأمر الذي سمح لمادورو بالاحتفاظ بقبضته على السلطة بشكل أكثر قوة. التحليل الاستخباراتي الأمريكي أوضح أن المعارضين لم يكن لديهم رؤية موحدة، مما أضعف محاولاتهم.
أدت انقسامات المعارضة إلى عواقب وخيمة، حيث فشل غوايدو في حشد الدعم الضروري من القوات العسكرية، وهو ما ساهم في بقاء مادورو وقبضته على الحكم. تماشياً مع ذلك، أدت الخطط التي تم وضعها لما يسمى بـ “اليوم التالي”، والتي كانت تهدف إلى تقديم الدعم المالي للشعب الفنزويلي بعد حكم مادورو، إلى مزيد من الفشل. على الرغم من أن الفكرة كانت جيدة على الورق، إلا أنها كانت بعيدة عن الواقع العملي، حيث فشلت الإدارة في تحفيز المجتمع الدولي لتقديم الدعم المطلوب.
توجهات الإدارة بايدن: سياسات جديدة في سياق متغير
عند انتقال السلطة إلى جو بايدن، تم توجيه السياسة الخارجية تجاه فنزويلا في اتجاهات جديدة. في ظل تصاعد أسعار النفط والأزمة الإنسانية المتزايدة، اتجهت الإدارة نحو إعادة التفكير في استراتيجيتها. بدلاً من الضغوطات الاقتصادية الشديدة التي تم فرضها في عهد ترامب، بدأت الإدارة في استكشاف طرق للتفاوض مع مادورو، بشرط تنظيم انتخابات نزيهة وإعادة اللاجئين الفنزويليين.
على الرغم من الجهود المبذولة، فإن مادورو لم يظهر أي التزام بهذا المسار. وبدلاً من ذلك، طرد فإذا ما كان يحاول الاستفادة من التضليل السياسي، مما أدى إلى تعزيز موقفه. على هذا النحو، كان هناك تعبير عن استياء من عدم التزام مادورو ببنود الاتفاق. بعد فترة قريبة، أعلنت الإدارة عن إحياء العقوبات المفروضة، مما يعكس التحول المفاجئ في العلاقات الأمريكية الفنزويلية.
تترجم السياسات الجديدة للإدارة الأمريكية على أنها محاولة لتقليص نفوذ روسيا والصين في المنطقة، مع الحفاظ على مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. بالرغم من أن الجهود لم تكن كافية لتغيير المشهد السياسي، فإنها تعكس وجود التزام أمريكي مستمر، رغم التحديات الكبيرة المتمثلة في تزايد الاستبداد داخل فنزويلا.
آفاق المستقبل: التأثيرات المحتملة للتدخلات السابقة
على الرغم من المآلات الحالية في فنزويلا، هناك أمل في أن تؤدي العمليات الاستخباراتية السابقة التي قامت بها الولايات المتحدة أثناء إدارة ترامب إلى تحسين قدرات المخابرات الأمريكية في رصد التطورات في فنزويلا. يشير بعض المسؤولين السابقين إلى أن الأنشطة السابقة قد وفرت فهماً أعمق للأجهزة الحكومية والفنية في البلاد، مما يمكن أن يساهم في تحسين فعالية أي تدخلات مستقبلية.
من جهة أخرى، فإن النمط المتكرر للفشل في تحقيق تغيير مباشر في النظام الفنزويلي يطرح تساؤلات حول مستقبل السياسة الأمريكية. تواجه الولايات المتحدة تحديات معقدة تتعلق بالتحولات السياسية والعلاقات الدولية في سياق الدفاع عن الديموقراطية، وهو أمر تتطلبه الأجيال الحالية من الفنزويليين. بات من الضروري على الإدارة الأمريكية أن تتبنى نهجًا مرنًا وشاملاً يسمح بالتفاعل مع كافة الأطراف، بما في ذلك أولئك المُدافعين عن حقوق الإنسان.
يظل الموقف الأمني والاقتصادي في فنزويلا متقلبًا. يبقى الأمل موجودًا في أن تسفر الجهود الدولية بالتعاون مع منظمات إنسانية عن تحسن حقيقي في الظروف الاجتماعية والمعيشية بمساعدة وتخفيف التوترات السياسية. ربما تكون الفترات المقبلة مليئة بالتحديات، لكنها يمكن أن تقدم أيضًا فرصًا لتعزيز الممارسات الحقيقية للديمقراطية في قلب أمريكا اللاتينية.
تم استخدام الذكاء الاصطناعي ezycontent
اترك تعليقاً